بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو أن العبارة الشهيرة "يارب ولد" ـ التي تقال دائما عند الولادة ـ لن يضطر أحد بعد الآن لترديدها ، فبعدما كان تحديد نوع المولود حلما يداعب خيال الآباء والأمهات على السواء , جاءت فتوى تحديد نوع الجنين لتحوله إلى حقيقة ، مما أثار جدلا واسعا في المجتمعات العربية والإسلامية خاصة وأن الاعتقادات الموروثة التي تفضل انجاب الذكور على الإناث تلعب فيها دورا بارزا مما يهدد بحدوث كارثة اجتماعية .
ففي عام 2001 تمكن عدد من الأطباء الأمريكيين والبريطانيين من التوصل إلى تقنيات طبية كفيلة بتأمين إمكانية اختيار جنس المولود للزوجين، الأمر الذي فتح باب الأمل أمام الكثيرين وأثار في الأذهان العديد من التساؤلات الخاصة برأي الدين وقول الشرع، إلى أن طالعتنا دار الإفتاء المصرية مؤخرا بفتوى تبيح فيها تحديد جنس المولود عن طريق بعض التقنيات الطبية، جاء في نصها أن الحكم الشرعي هو الإباحة، ولا تحريم إلا بنص .. وسعي الأسرة لإنجاب طفل من جنس بعينه مشروع لحل المشكلات النفسية والاجتماعية لكثير من الأسر التي رزقها الله بالبنات دون البنين، أو الأسرة التي ترغب في إنجاب بنت بعد أن رزقت بالذكور، وأن ذلك لا يعد تغييرا لخلق الله. مع ضرورة وضع ضوابط حتى لا يكون ذلك وسيلة في أيدي البعض لوأد البنات، فالإباحة مرتبطة بظروف الأسرة وجنس الأبناء الموجودين بها .
وأكدت دار الإفتاء المصرية ضرورة أخذ الاحتياطات والضوابط الشرعية لضمان عدم اختلاط الأنساب، وأن تتدخل السلطات المختصة في الدول العربية لوضع قواعد وضوابط لاستخدام تقنيات التحكم في جنس المولود وحظرها إن لزم الأمر .
يارب ولد
وحول ردود الأفعال تجاه هذه الفتوى تقول" شيماء ناصر محمود" 28 سنة بكالوريوس تجارة.. متزوجة وحامل في طفلها الأول.. إذا ما كان الشرع يجيز هذا الأمر، فأنا لا أمانع في حالة توافر الإمكانيات التي تيسر لي هذا خاصة وأن زوجي يتمنى أن تأتي أول ذريته ذكورا، وقد حزن بشدة عندما عرف أنها أنثى .
ميراث الأهل
دكتور أسامة شعير
"ليتها صدرت من زمان"، هكذا عبرت عن رأيها "عطيات موسي" 40 سنة حينما قالت أنها أم لأربع بنات وزوجها رجل ثري، وهي على خلاف دائم مع أسرته وكانت تتمنى أن تكون هذه الفتوى موجودة منذ وقت بعيد حتى كان يتيسر لها إنجاب الذكر الذي يمكنها من حرمانهم من الميراث إذا ما حدث مكروه لزوجها !
خلل اجتماعي
أما "نسرين محمود" 22 سنة ليسانس آداب فترفض هذا الأمر قائلة.. بحكم أننا مجتمع يميل إلى إنجاب الذكور فإن هذا الأمر سيؤدي إلى انخفاض معدلات الإناث مما يؤدي إلى حدوث خلل بالمجتمع .
وتؤيدها في هذا الأمر مع بعض التحفظ "صفاء مرعي"33 سنة مدرسة، موضحة أن هذا الأمر من الممكن أن تلجأ إليه في حالة إذا ما رزقها الله بذرية أغلبها من نوع واحد حتى لا تتعرض لمضايقات من الزوج أو الأسرة، أما فيما عدا ذلك فهي راضية بما قسمه الله لها .
تنفيذ للمشيئة
ويؤيد هذا الاتجاه الشيخ يوسف القرضاوي ـ الداعية الإسلامي ـ الذي يرى أن قضية اختيار جنس الجنين أمر يجعل أصحاب الحس الديني في حالة من الدهشة، حيث يتساءل الجميع كيف يدعي بشر أنه يعلم جنس الجنين ويتحكم فيه، وهذا الأمر يعد من مفاتيح الغيب المذكورة في آخر سورة لقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام)، وأن علم ما في الأرحام للخالق وحده لا للخلق لقوله تعالى (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) .
كما أن العامة يرون أن هذا الأمر يدخل في نطاق التطاول على مشيئة الله تعالى، التي وزّعت الجنسين بحكمة ومقدار، واعتبار ذلك دليلاً من أدلة وجود الله تعالى وعنايته بخلقه وحسن تدبيره لملكه، يقول تعالى: (لله ملك السماوات والأرض، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء الذكور) .
وردا على هذين الأمرين يقول العالم الجليل أن علم ما في الأرحام يفسر بالعلم التفصيلي لكل ما يتعلق بها؟ فالله يعلم عن الجنين أيعيش أم يموت؟ وإذا نزل حياً أيكون ذكياً أم غبياً، ضعيفاً أم قوياً، سعيداً أم شقياً؟ أما البشر فأقصى ما يعلمونه كونه ذكرا أوأنثى. وكذلك يُفسّر عمل الإنسان في اختيار الجنس أنه لا يخرج عن المشيئة الإلهية بل هو تنفيذ لها. فالإنسان يفعل بقدرة الله، ويشاء بمشيئة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) .
ويؤكد على أن الدين الإسلامي رخص عملية اختيار الجنس عند الضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة، ويرى فضيلته أن الأسلم والأولى تركها لمشيئة الله وحكمته (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة) .
جائز بشروط
وجاء رأي دكتور "عبد الفتاح أدريس" ـ أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر ـ مؤيدا في بعض الشيء لما سبق، فقد جاء على لسانه في تصريحات خاصة لشبكة الأخبار العربية " محيط " أن هذا الموضوع قد ناقشه المجمع الفقهي بالمملكة العربية السعودية في دورته التاسعة العام الماضي، وقد أجاز المجمع اتخاذ الوسائل الطبيعية لاختيار نوع الجنين مثل الأكل والريجيم ووقت الإخصاب، أما الوسائل غير الطبيعية (الكيميائية أو المجهرية) التي تعتمد على إخضاع "الحيوانات المنوية" للزوج للفحص وفصل الخلايا التي يتحقق بها الإخصاب
د. عبد الفتاح إدريس
فقد أجازها المجمع في حالات خاصة عند اقتضاء الحاجة إلى هذا الاختيار، وبعد دراسة كل حالة على حده يتقرر الحكم الشرعي لها. وأن هذا ليس تدخلا في خلق الجنين وإنما انتقاء للحيوان المنوي الحامل لشارة "إكس" عند اختيار الأنثى" أو الحيوان الذي يحمل شارة "واي" عند احتيار الذكر، وكل هذا يتم قبل أن تتكون خلية الجنين" .
رافض بشدة
وعلى الرغم من الأدلة الشرعية التي ساقها هؤلاء العلماء إلا أن هناك من رفض هذه الفتوى برمتها وعلى رأسهم مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ "عبد العزيز آل الشيخ" حيث يرى عدم جواز التدخل لتحديد جنس الجنين، وعلل ذلك بأن هذا الأمر قد يوقع الناس في مشاكل لا تحمد عقباها خاصة مواقع الاستنساخ.
ويشاركه الرأي الشيخ "محمد رشيد قباني" مفتي لبنان الذي يرى المنع التام لهذه العمليات إلا في حالة الضرورة التي تقررها جهات الفتوى والاختصاص.
ضوابط علمية
أما عن الرأي الطبي في هذه القضيه يقول دكتور "أسامة كمال شعير" أستاذ الذكورة بجامعة القاهرة .. هذه العملية لاتجرى في الوقت الحالي في مصر إلا في حالة وجود أمراض وراثية من المحتمل أن تظهر في جنس معين دون الأخر، وتتم كعمليات طفل الانابيب إلا أنه يضاف إليها تقنية تحديد الجنس واختيار أجنة بعينها دون الأخرى، لذلك لا نقوم بها إلا بعد الحصول على موافقة من الأزهر، ولكن المشكلة تكمن في أن تكلفة هذه العمليات باهظة جدا.