بسم الله الرحمن الرحيم
سألها: "هو المهم إننا نتجوز، ولا إنك تلبسي شبكة؟"، فردّت بالقول: أنا لا أهتم بالشكليات مطلقًا، ولكن الناس "هتاكل وشنا!"، فخطرت على باله فكرة بمجرد أن أخبرها بها نالت أعجابها، ووافقت عليها الاسرة الأرستقراطية التي تنتمي لها".. وكانت الفكرة باختصار أن يؤجر شبكة فخمة جدًّا لمدة أسبوعين حتى ترتديها العروسة في الفرح، وتظل معها بعض الوقت عندما يزورها الأهل والأقارب في البيت.. وينتهي الأمر بعد ذلك".
كان ذلك نَصّ حوار بين "الدكتور أحمد"، و"سامية" اللذَيْن تم عقد قرانهما منذ أيام متغلبين على مشكلة كانت كفيلة أن تنهي العلاقة بينهما تمامًا بعد أصرار أهلها على أن يُحضِر لها شبكة لا تقلُّ عن 50 ألف جنيه..
يحكي "الدكتور أحمد" الأمر من البداية، فيقول: "أنا من سُكان مساكن "شيراتون" بمصر الجديدة، وظللت قرابة عامين خاطبًا بنت أحد المعارف من أحد العائلات ذوي المستوى الاقتصادي المرتفع، وعندما تطرقنا للاتفاق على الشبكة وقيمتها أجّلنا الأمر حتى أحصل على شقة، وعندما تناقشت مع والدها في الشبكة، فوجئت بأنه يصرّ على أن لا تقل عن 50 ألف جنيه؛ "لأن الناس كلها هتشوفها.." كما يقول، وهو يوم في العمر، واستشَرْت أحد أصدقائي الذي يسكن في ميدان "صلاح الدين" بمصر الجديدة، فقال لي: إن الحل بسيط جدًّا، وهو أن أذهب لمحل ذهب يعرفه في نطاق سكنه، يتم الاتفاق معه على تأجير شبكة فخمة جدًّا لمدة أسبوع نظير 900 جنيه، وعندما عرضت الأمر على أسرة العروسة واقفوا؛ لأن كل ما كان يعنيهم أن ترى الناس الشبكة في يدها فخمة.
الحكاية السابقة ليست الأولى من نوعها، وليست الوحيدة أيضًا، فنحن أمام ظاهرة اجتماعية بدأت تطفو على السطح كنوع من الرفض المكتوم لارتفاع أسعار الذهب بشكل غير مسبوق، وهو أمر ربما يؤدي في مرحلة لاحقة إلى كساد صناعة الذهب في مصر كما يرى "وجيه رؤوف – جواهرجري" بشارع "كلوت بك"، موضحًا أن قبول بعض أصحاب محالّ المجوهرات تأجير الشبكة لعدة أيام سعيًا منهم وراء المكسب القريب؛ لأنه لن يخسر شيئًا، وسيضمن حقه بأن يقوم بالحصول على إيصالات أمانة لمن قام بتأجير الشبكة، وهي عملية عادة ما تتم في المدن الراقية فحسب؛ لأكثر من سبب: كعدم الثقة في رجوع الشبكة من الأساس في الأحياء الشعبية، فضلاً عن عدم اقتناع الأسر فيها بالأمر نفسه؛ لأن رؤية الناس للشبكة أو لا لن تفرق معهم كثيرًا.
وهكذا ولأن جرام الذهب الآن قارب الـ 150 جنيه، فمن يستطيع أن يشتري شبكة "محترمة" بحق في الظروف الاقتصادية الرثة التي نعيشها الآن، ولأن المصري مشهور بـ "فهلوته" فهو دائمًا يحاول الوصول إلى هدفه بأقصر الطرق، فإذا كانت الشبكة هي التي تحول بينه وبين الزواج فليذهب إلى أن الفرحة "في القلب"، وأن الشبكة في الاصل -كما يبرر وقتها- نوع من الترفيه الزائد؛ فالأصل هو مشكلة السكن، وحال تغلبه على هذه المشكلة، فيجب ألا يكون هناك عوائق أخرى في طريقه.
وعلى الضفة الأخرى للنهر في المناطق الشعبية –إن جاز التعبير– فالتغلب على ارتفاع أسعار الذهب يكون له شكل آخر تمامًا، فيقول "سامي – نجار مسلح": عندما فكرت في الزواج لم أستطع تقديم شبكة غالية للعروسة، فاقترحَتْ علي أن نقوم بشراء شبكة "فالصو"؛ حتى تلبسها وتفرح بها، ثم ينتهي الأمر، ولما ربنا يكرمني هابقى أجيب لها ماس مش دهب كمان!
"الحاج عبد الفتاح" -أحد صاغة منطقة الحسين- يقول: الحال بقى واقف على الآخر، وماحدش بيشتري دهب خالص؛ حيث تنشط عمليات بيع الذهب من النساء للتغلب على مشاكل الحياة وليس العكس، ومن ثم ففكرة عمل "شبكات" فالصو "عمولة" مطروحة بشكل كبير؛ للحصول على "عرقنا" بدلا من الجلوس من دون عمل.
وأضاف: تنشط هذه العملية في موسم الصيف؛ حيث تزيد أعداد المقبلين على الزواج بالرغم من أنهم لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم، ومن ثم نصنع لهم "نماذج" طبق الأصل من "الأطقم" التي تعجبهم؛ لأن بصراحة كده "ماحدش بيجيب طقم ذهب زي زمان"، يعني بالكتير قوي دبلة وخاتم ذهب للعروسة، وخاتم فضة للعريس.. هذه هي الشبكة حاليا بعكس ما كان يحدث قديمًا.
تأجير الشبكة في المدن الراقية مرتبط بالدرجة الأولى بمعرفة الشخص بالجواهرجي، ويتحدد على هذا الأمر طول فترة استعارتها من عدمه، فإذا كان الشخص غير معروف للجواهرجي فلا تزيد أيام استعارتها عن يوم واحد، وبنفس الأسعار؛ وذلك لأن الناس باتت هي الأهم في عملية الزواج، بعد أن كانت الشبكة هدية خالصة من العريس لعروسه.
من جهة أخرى فالبعض يرفض الحلّين السابقين، ويلجأ لحل آخر تمامًا في الأماكن المعدمة، وهو شراء شبكة "فضة"، وهو أمر عادة ما يحدث؛ لأن الفضة معدن رخيص.. هذا عن رأي الشباب فما عن الفتيات المقبلين على الزواج؟
"هند - محامية" تقول: أنا مخطوبة منذ ثلاثة سنوات، وعاوزة أتجوز بأي شكل، ولا يهمني الناس إطلاقًا، ولو عُرِض علي خطيبى أن نؤجل الشبكة، أو أن ألبس طقم "فالصو" فلن أعارض.
على النقيض ترفض "ماريام - خريجة IT" الأمر وتقول: دي تبقى فضيحة، اللي مش قدّ الجواز ما يتجوزش، بنات الناس مش لعبة!.
وأنت.. ما رأيك؟