بسم الله الرحمن الرحيم
شَنَّ العديد من علماء وفقهاء الأزهر هجومًا عنيفًا ضد تصريحات الدكتورة "زينب رضوان" وكيل مجلس الشعب، وأستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة التي أطلقتها مؤخرًا في البرلمان عندما طالبت بالسماح بتوريث الزوجة "الكتابية" -المسيحية أو اليهودية- من الزوج المسلم، والأخذ بشهادة أصحاب الديانات الأخرى في مسائل الأحوال الشخصية، ومساواة شهادة المرأة الواحدة بالرجل أمام المحاكم، في إطار تفعيل مبدأ المواطنة، والمساواة بين المواطنين مؤكدة أنه لا توجد أي موانع في القرآن والسنة لتطبيق ما تدعو إليه، وأنها لا تقصد المساس بثوابت الشريعة الإسلامية، وأن مقترحاتها جاءت؛ لإظهار الوجه الصحيح للإسلام.
الشيخ "يوسف البدري" عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قال: إن الشريعة الإسلامية والفقه يؤكدان عدم جواز توريث الكتابية -مسيحية كانت أو يهودية- من المسلم أو العكس؛ لأن اختلاف الدين مانع أساسي من الميراث، لكن يمكن أن يعوّض بالوصية بشرط أن يوافق عليها جميع الورثة، موضحًا أن ما قالته الدكتورة "زينب رضوان" افتراء على الله، وعدوان على حقه سبحانه وتعالى -على حد تعبيره- لأنه جل شأنه هو المشرّع، فمهما تكن الظروف والأحوال فنحن ملزمون بكتاب الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءت مصيراً}.. وحول مساواة شهادة المرأة الواحدة بالرجل أمام المحاكم قال الشيخ "يوسف": إنه كلام باطل؛ لأنه هدمٌ للقرآن الكريم الذي علل فيه الله -سبحانه- الفكرة من الأخذ بشهادة امرأتين بقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}، فالمسألة هنا أن المرأة تنسى، وهذه طبيعة بشرية لا يُنكرها أحد، وليس لأن الرجل والمرآة متساوون في العلم، أما عن الأخذ بشهادة أصحاب الديانات الأخرى في مسائل الأحوال الشخصية، فعلق عليه الشيخ "يوسف" قائلاً: لا يجوز بأي حال من الأحوال؛ لأن الشهادة ولاية، ولا يصح أن يكون غير المسلم واليًا على المسلم.
فى حين قال الدكتور "مصطفى الشكعة" عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس لجنة التعريف بالإسلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية: إن المجمع يستعد حاليًا لإصدار بيان يدين ويفند فيه كل ما قالته "زينب رضوان" موضحًا أنها أنكرت معلوما من الدين بالضرورة، مؤكدا أن مسألة الميراث فيها حكم شرعي يقول: إن الميراث يكون بين اثنين على دين واحد، والدليل على ذلك أن سيدنا "علي بن أبي طالب" -رضي الله عنه وأرضاه- لم يَرِث من أبيه؛ لأن عليًّا كان أول من أسلم من الصبية، وظل "أبو طالب" على غير دين الإسلام حتى وفاته، فلم يرث منه شيئا.
الدكتورة "آمنة نصير" أستاذ الفلسفة الإسلامية جامعة الأزهر قالت: إن ما ذكرته "زينب رضوان" فيه تصادم صريح مع النص القرآني الذي يؤكد أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين، موضحة أن هناك هدفًا ومغزى وراء هذه الآية، فهي ليست طعنا في الشهادة كونها تصدر من المرأة بسبب جنسها ونوعها بل هي عملية تنظيمية؛ لعدم إشغال المرأة عن بيتها وأبنائها بأمور التجارة والعقود؛ حيث إن الله قال: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} ولم يقل فينكر الرجلُ الآخر إحديهما، ولذا وضع سيدتين معًا، وليس سيدة ورجل، أما عن توريث غير المسلم من مسلم أو العكس فقالت: إن اختلاف الدين مانع أساسي للميراث؛ لأن اختيار الانتماء الديني عامل فردي، ولذا لا يجب على المنتقل من دين إلى آخر أن يسحب معه أموال وثروات عائلته، فحتى في الصعيد عندما تتزوج سيدة من خارج عائلتها يحرموها من الميراث..
المفكر الإسلامي "جمال البنا" هو الوحيد الذي وقف إلى جانب ما ذكرته الدكتورة "زينب رضوان" واصفًا إياه بأن كله صحيح ولا شيء فيه؛ فالآية التي تقول: إن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل كانت في آية الدَّيْن فقط، ولكن بعض الفقهاء مدُّوها إلى باقي أمور الدين، وهذا لا يجوز، موضحًا أن كل الأوضاع التي كانت على عهد الرسول قابلة للتعديل، فيؤخذ منها لما انتهى إليه التصور الإسلامي؛ ليكمل عليه، وليس أن يقف أمامه، وأكد "البنا" أن القصد من وراء القرآن هو فهم النص القرآني بمعناه الشامل، وليس حرفية النص، لافتا إلى أن "ابن قيم الجوزية" قال: ان الأحكام تتغير بتغير الأزمان، وأشار إلى أن القرآن كله مساواة بين المرأة والرجل، وقال: إن الله تعالى اشترط الأفضلية في كل أمور الإسلام إلى التقوى، وليس النوع والجنس..